أمازيغ ژناگا (صنهاجة): أحد أقدم الفروع الأمازيغية وأكثرها انعزالًا
تُعتبر ژناگا (صنهاجة) من أقدم القبائل الأمازيغية التي انفصلت عن عموم تامازيغت لتستوطن مناطق جنوبية على أطراف الصحراء الكبرى، خصوصًا في مناطق موريتانيا الحالية وأزواد والسنغال. الاسم “ژناگة” هو النطق الأمازيغي القديم لصنهاجة، وهم قبائل تتمتع بخصائص لغوية وثقافية فريدة تجعلها من أقدم الفروع التي حافظت على إرثها، رغم الظروف القاسية والعزلة الجغرافية.
انتشر أمازيغ صنهاجة على مساحة شاسعة امتدت من المناطق الجبلية في شمال أفريقيا إلى تخوم الصحراء الكبرى. اختاروا مناطق مثل أدرار، تكانت، تيرس، والترارزة في موريتانيا الحالية، حيث تأقلموا مع الحياة الصحراوية. انعزالهم الجغرافي ساهم في تميزهم الثقافي واللغوي، إذ حافظوا على عناصر من هويتهم الأمازيغية في مواجهة التأثيرات الخارجية.
تعتبر الزناكية، التنوع الموريتاني من الأمازيغية، واحدة من أقدم االتنوعات التي حافظت على صلتها بالجذر الأمازيغي. رغم أن عدد المتحدثين بها اليوم يقدر ببضع آلاف فقط، إلا أنها تمثل تراثًا لغويًا فريدًا. الزناكية ليست مجرد لغة محكية؛ بل هي دليل على تاريخ طويل من التأقلم مع البيئات الصعبة والحفاظ على الخصوصية الثقافية في وجه المدّ الثقافي المستعرب.
تشير تقارير دولية، مثل أطلس اليونيسكو لعام 2009، إلى أن الزناكية تواجه خطر الانقراض، حيث تصنّفها ضمن اللغات “المهددة بشدة”. ومع ذلك، فإنها تبقى رمزًا لصمود الهوية الأمازيغية في الجنوب الموريتاني.
لعبت صنهاجة دورًا محوريًا في تاريخ صحراء تينيري. إذ كانت هذه القبائل حلقة وصل بين شمال أفريقيا ووسطها، حيث اشتهرت بتأسيس إمبراطوريات تجارية ودينية كبرى، مثل مملكة غانا ودولة المرابطين. كان المرابطون، على وجه الخصوص، من أبرز المجموعات الصنهاجية التي حملت راية الإسلام والثقافة الأمازيغية إلى مناطق واسعة من أفريقيا.
من أبرز الأحداث التي شكلت تاريخ صنهاجة كان تأسيس دولة المرابطين في القرن الحادي عشر الميلادي، والتي انطلقت من مناطق صنهاجة الصحراء. تحت قيادة يوسف بن تاشفين، أصبحت المرابطون قوة مؤثرة في شمال أفريقيا والأندلس. ورغم اندماج هذه الدولة في السياق الإسلامي، إلا أنها ظلت وفية لجذورها الأمازيغية.
كانت عزلة صنهاجة الجغرافية والثقافية عاملًا مزدوجًا؛ فمن جهة ساعدتهم على الحفاظ على هويتهم ولغتهم، ومن جهة أخرى جعلتهم عرضة للتهميش. في موريتانيا، على سبيل المثال، تعرض الناطقون بالزناكية لسياسات ثقافية تجاهلت تراثهم الأمازيغي لصالح الهويات الثقافية الحسانية وهي بدورها هجين أمازيغي عربي بشكل واضح.
التحديات الحالية
اللغة: يواجه الناطقون بالزناكية تحديات هائلة للحفاظ على لغتهم، مع تقلص عدد المتحدثين ونقص الموارد التعليمية.
الاندماج الثقافي: رغم محاولات التحديث، يظل سكان صنهاجة في موريتانيا محصورين في أدوار تقليدية، مع محدودية فرص التعليم والتنمية.
التهميش السياسي: تغيب صنهاجة عن مراكز اتخاذ القرار، ما يجعلهم أقل قدرة على التأثير في السياسات الوطنية.
يدعو المهتمون بالثقافة الأمازيغية، سواء داخل موريتانيا أو خارجها، إلى تحرك عاجل لإنقاذ تراث صنهاجة من الاندثار. من بين المبادرات المقترحة:
تدريس اللغة الأمازيغية تنوع ژناگا: إدراجها في المناهج الدراسية لتعزيز الوعي بأهميتها.
تنمية المناطق الصنهاجية: تحسين البنية التحتية والخدمات الأساسية في مناطق الترارزة وغيرها.
البحث العلمي: تشجيع الدراسات الأكاديمية عن صنهاجة وتاژناگيت لفهم أعمق لتاريخهم وهويتهم.
القوافل الثقافية: تنظيم مهرجانات ثقافية دولية لتعريف العالم بتراث صنهاجة.
أمازيغ صنهاجة، رغم انعزالهم الطويل وصعوبات الاندماج، يظلون جزءًا لا يتجزأ من التاريخ الأمازيغي. الحفاظ على لغتهم وثقافتهم ليس مجرد مسؤولية محلية بل هو واجب إنساني عالمي. إن إحياء الزناكية وتمكين صنهاجة من استعادة دورهم في المجتمع يمثل خطوة نحو حفظ هذا التراث العريق للأجيال القادمة.
منقول