موريتانيا ومالي: علاقات تاريخية تحت اختبار التحديات الأمنية
في ظل التوترات الأمنية المتزايدة في منطقة الساحل، تواصل موريتانيا تمسكها بسياسة الحياد الإيجابي، مؤكدة رفضها لأي تصعيد عسكري قد يهدد استقرارها الداخلي أو يؤثر على علاقتها بجارتها الشقيقة مالي. ومع تصاعد التحديات الأمنية، يصبح الحفاظ على هذه العلاقات أولوية دبلوماسية واستراتيجية لموريتانيا، التي تنتهج سياسة قائمة على الحوار والتعاون بدلًا من المواجهة والصدام.
سياسة الحياد والمساعي الدبلوماسية
على مدى العقود الماضية، انتهجت موريتانيا سياسة خارجية متزنة تقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة. وقد أثبت هذا النهج فعاليته في الحفاظ على استقرار البلاد، رغم الأزمات التي عصفت بمنطقة الساحل، من انقلابات عسكرية إلى تمدد الجماعات المسلحة. وفي ظل هذه الظروف، حرصت نواكشوط على عدم الدخول في أي تحالفات عسكرية قد تجرها إلى صراعات لا تصب في مصلحتها الوطنية.
وقد عززت الدبلوماسية الموريتانية، بقيادة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، قنوات الحوار والتعاون مع كافة الأطراف، سواء في مالي أو على المستوى الإقليمي والدولي. وتؤكد نواكشوط أن الحلول السياسية تبقى الخيار الأمثل لمعالجة الأزمات، بدلًا من الانجرار إلى صراعات لا تخدم استقرار المنطقة.
العلاقات التاريخية بين موريتانيا ومالي
تجمع موريتانيا ومالي علاقات تاريخية متينة، تمتد جذورها إلى الروابط الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. فمنذ استقلال البلدين، حرصت القيادات المتعاقبة في نواكشوط وباماكو على ترسيخ التعاون في مختلف المجالات، لا سيما في التجارة والأمن وتبادل الخبرات.
ورغم بعض التوترات التي شهدتها العلاقة بين البلدين في فترات سابقة، إلا أن موريتانيا تؤكد باستمرار أن استقرار مالي ينعكس إيجابيًا على أمنها القومي، وأن أي تصعيد عسكري في المنطقة لن يخدم سوى الأطراف التي تسعى إلى زعزعة الأمن وتقويض التنمية.
التحديات الأمنية والموقف الموريتاني
يعد الوضع الأمني في مالي من أكبر التحديات التي تواجه موريتانيا، خاصة مع تزايد أنشطة الجماعات المسلحة وعدم الاستقرار السياسي. ويزيد طول الحدود المشتركة بين البلدين، التي تمتد لأكثر من 2200 كيلومتر، من حجم المسؤولية الأمنية الملقاة على عاتق نواكشوط.
ومع ذلك، فقد نجحت موريتانيا في تأمين حدودها بفعالية، عبر استراتيجية أمنية متكاملة تعتمد على الانتشار العسكري المكثف، والتعاون الوثيق مع السكان المحليين، إضافة إلى التنسيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين. كما تسعى الحكومة الموريتانية إلى الحفاظ على نهجها المتزن، من خلال تقديم الدعم الإنساني والدبلوماسي لحل الأزمة في مالي، مع رفضها القاطع لأي تدخل عسكري مباشر.
موريتانيا مع السلام وليس الحرب
في ظل هذه الأوضاع، تظل موريتانيا ثابتة على موقفها الرافض للانجرار إلى أي صراع إقليمي، مؤكدة أن استقرارها وأمنها يظلان الأولوية القصوى. فكما نجحت في تحصين نفسها ضد تداعيات الأزمات السابقة، تواصل اليوم العمل بحكمة واتزان للحفاظ على استقرارها الداخلي، مع دعم الجهود الإقليمية لتحقيق السلام والتنمية في المنطقة.
ويظل موقف نواكشوط واضحًا: موريتانيا لن تنجر إلى الحرب، وستظل بلدًا يسعى إلى تحقيق الأمن والسلام، سواء داخل حدوده أو في جواره الإقليمي.
أحمد ولد محمد عمر