في موكب الخليفة العام للطريقة القادرية في غرب أفريقيا الشيخ سيدي الخير ولد الشيخ بونن ولد الشيخ الطالب بوي ولد الشيخ سعد أبيه.
بعيدا عن بهرجة الإعلام، حيث تخفت أصوات الصحافة ، ولا تُضاء المنابر، يمرّ بعض الناس كما تمرّ نسمة في هجير، لا تُرى، لكنك تشعر بها. أرواحهم لا تُعلن عن نفسها، بل تُقيم صلاتها في صمت، وتُرسل بركتها دون أن تطلب شكرًا أو تصفيقًا. هم أولياء المدى، غرباء في العلن، أقرب إلى الله من ظلالهم، يعرفهم أهل السماء وإن أنكرتهم الأرض. هناك، في مفترق النور والظل، يسير رجلٌ بلا ضجيج، يخبئ في قلبه سرًّا من أسرار المحبة، ويمشي على أثر من سبقوه من العارفين، لا يريد من الدنيا منصبًا ولا من الناس تبجيلاً. يُدعى “الشيخ سيدي الخير” اسمه ليس عنوانًا لمقام، بل إشارة إلى جوهر: الخير حين يُولد في جسد إنسان.
في زمنٍ تُشترى فيه الذمم والأصوات والأقلام وحتى المواقف بأبخس الأثمان، يخرج من بين الغبار رجلٌ لا يرفع صوته فوق صوت الحقيقة، ولا يُلوِّح برايةٍ من قماش زائف، ولا يغريه بريق العناوين، ولا يسعى وراء صناعة العدمية.. رجلٌ يسير في الظل، لكن أثر خطاه يظل مشعًّا كنور الفجر في العيون المنكسرة. ذاك هو “الشيخ سيدي الخير”، شيخ جليل عارف بالله، تسري الحكمة في عروقه كما تسري المياه في جذور الشجرة الطيبة.
ليس ممن يتعجلون التصدر، أو يلهثون خلف عدسات الإعلام، ولا يُغريه التصفيق المؤقت، ولا كراسي الزينة المصنوعة من سراب. هو ابن سلالة من السالكين، نهل من إرث أجداده سرّ السكينة، وورث عنهم صبر الحكماء، وحنو العارفين، ووقار السائرين على درب لا يعرف الزيف ولا الاستعراض.
في حضرته، لا تسمع جعجعة الشعارات، بل تنصت لنبض الصدق. لا يعد الناس بالخلاص المعلّب، ولا يوزع الوعود كأنها أوراق يانصيب، بل يعرض نفسه كما هو: إنسانٌ محبّ للخير، ينثر السلام والأمان والسكينة حيث ما حل وارتحل، لا أكثر، ولا أقل. يحمل الخير لا لأنه يسعى إلى مديح أو إطراء، بل لأنه يرى في الخير فريضة قلبية، وسجدة يومية تمارسها الروح كلما لامست قلوب الناس برفق ورحمة.
موكبه لا يرفع اللافتات، ولا تصاحبه مكبرات الأصوات المنكرة، بل هو رَكْبٌ من الأشراف منتظم، وركب من الطمأنينة. كلما حلّ في مكان، تنفس المكان شيئًا من النور، وارتدَّ وجه الأرض مبتسمًا. يحمل سرّ جده شيخنا الشيخ سعد أبيه، لا ليتفاخر به، بل ليحفظه كأمانةٍ لا يجوز التفريط فيها.
من مدينة جيفور السنغالية، وفي مشهد تقاطر فيه المحبّون من كل حدب وصوب، يحملون في قلوبهم العهد المتجدد على السير على خطى السلف الصالح. يطل علينا الشيخ سيدي الخير في تظاهرة جسدت معنى الوفاء للأباء، وعمق الانتماء لطريق أولياء الله الصالحين. نعم إنها الذكرى السنوية لرحيل الخليفة السابع للطريقة القادرية في غرب أفريقيا، الشيخ بونن ولد الشيخ الطالب بوي رحمة الله عليه، حيث يتجدد الموعد، لاستلهام القيم الروحية التي حملها الراحل، وأحياها سلفه في النفوس؛ من محبة ووحدة وصفاء سريرة، ومنهج تربوي سني، يعانق الذكر بالعلم، ويزاوج بين التجرد لله وخدمة خلقه.
أحمدو ولد الننيه
الخلافة العامة للطريقة القادرية في غرب إفريقيا