صفحات من تاريخ مقاطعة المذرذرة / أحمد باب الخراشي
تقع منطقة المذرذرة في محيط جغرافي واحد وفضاء اجتماعي عريق تعاقبت عليه مجموعات متعددة من مجموعات الجنوب الغربي الموريتاني، خصوصاً في نطاق اترارزة الذي اشتهر تاريخياً بمكانته السياسية والعلمية، فقد كانت المنطقة جزءاً من مجال إمارة اترارزة التي لعبت دوراً محورياً في تاريخ البلاد على مدى عدة قرون.
تميزت منطقة المذرذرة بكونها مجالاً رعويًا أساسًا، يرتكز على حركة المجموعات الاجتماعية بين مسالك الكلأ والماء، وكان لهذه الحركة دور أساسي في تشكيل البنية الاجتماعية للمنطقة، حيث حافظت المجموعات على علاقاتها التقليدية من تحالفات سياسية واجتماعية ومجامع علمية وروابط اقتصادية.
من ناحية أخرى فقد عرفت منطقة المذرذرة قبل قيام المدن الحديثة بإسهامها العلمي من خلال انتشار المحاظر التقليدية، وهي مدارس الفقه واللغة العربية التي شكّلت جزءاً جوهرياً من الثقافة الموريتانية، وقد برز عدد من العلماء والفقهاء والمؤرخين من هذه المنطقة ومحيطها الجغرافي، مما منحها مكانة معرفية مرموقة يستدل عليها حتى اليوم.
كانت هذه المحاظر في منطقة المذرذرة تعتمد على نمط حياتي بسيط، يجمع بين الرحلة في طلب الماء والمرعى وبين السكن في مضارب متقاربة تحفظ التواصل بين فروع المجتمع المختلفة والعلماء والطلاب.
وقد شهدت هذه المنطقة مطلع القرن العشرين مرحلة جديدة تمثلت في دخول الإدارة الاستعمارية الفرنسية، حيث بدأت تتشكل “النقاط الإدارية” أو المراكز الإقليمية التي استخدمها المستعمر الفرنسي لتنظيم حركة السكان وجمع الضرائب والإشراف على الطرق التجارية.
ولعل من أبرز هذه النقاط الإدارية مركز “مدينة المذرذرة” التي ساعد موقعها الجغرافي على تأسيسه، حيث أصبحت المذرذرة مركزاً إدارياً في بداية القرن العشرين، ما جعلها نقطة تجمع للقبائل ومساراً لطرق القوافل القادمة من آدرار وشمال اترارزة والمتجهة نحو مدينة إندَر السنغالية ومدينة روصو وضفاف نهر السنغال.
توجد بمدينة المذرذرة معالم عمرانية شاهدة على حقب مختلفة من تاريخ هذه المدينة العريقة، ولعل من أبرزها المباني الإدارية القديمة والمدرسة الابتدائية التي افتتحت سنة 1910م، إلى جانب مباني الحرس الوطني التي ماتزال شاهدة على تلك الحقب، والخزان المائي الأول في البلاد والذي أنشئ سنة 1956م وغيرهم من المباني والمرافق العمومية التي لا تزال موجودة.
من ناحية أخرى تُعرف مدينة المذرذرة بكونها مركزاً تنوع اجتماعي مهم، حيث تعيش فيها مجموعات مختلفة ومتعددة من بينها بعض العائلات التي ساهمت في تكوين مجتمع المذرذرة المتنوع ثقافياً والمتجانس في العادات والتقاليد، وقد ظلت المناسبات الثقافية والدينية مثل المواسم والتظاهرات بالمدينة تلعب دوراً أساسيا في تثبيت الروابط الاجتماعية.
كما شهدت المدينة نشاطاً سياسياً مبكراً، إذ كانت مسرحاً لعدد من المبادرات الاجتماعية والسياسية مع ظهور حركات التحرر الشعبي والأحزاب الوطنية خلال العقود الماضية.
وقد شهدت المنطقة عقب استقلال موريتانيا سنة 1960، تحولات هامة، حيث بدأت الدولة خلال ستينيات وبداية سبعينيات القرن العشرين، في وضع اللبنات الأولى للتقسيم الإداري الحديث، وتم الاعتراف بالمذرذرة مقاطعة كاملة لها بلدياتها الخمس.
منذ ذلك الحين، أصبحت المقاطعة جزءاً أساسياً من الهيكلة الإدارية لولاية اترارزة، وتم تعزيز وجود المدارس والمصالح الحكومية والبنى التحتية تدريجياً بالمدينة، حتى أصبحت المدينة نموذجاً لتطور المجتمعات الريفية في موريتانيا من مرحلة القبائل والإمارات إلى مرحلة الإدارة الحديثة والدولة الوطنية.
اترارزة مباشر موقع إخباري ومنصة يهتم بأخبار اترارزة
