تكنت والمذرذرة جذور التاريخ وصراع الطموح الإداري/ بقلم العمدة المختار ولد عيدلها

تكنت والمذرذرة: جذور التاريخ وصراع الطموح الإداري

 

تمثل منطقتا تكنت والمذرذرة ركائز أساسية في تاريخ إمارة الترارزة، حيث تتداخل فيها البُعد القبلي والديني، وتتقاطع طرق التجارة، ويبرز التأثير السياسي والثقافي للإمارة الساحلية التي ربطت بين الصحراء والمحيط الأطلسي على امتداد قرون.

 

أولًا: إمارة الترارزة… المجال الأمّ لتكنت والمذرذرة

 

ازدهرت إمارة الترارزة منذ القرن السابع عشر، بوصفها بوابة الصحراء نحو التجارة الأطلسية. وقد مثّل الساحل الترارزي محورًا حيويًا في:

 

تصريف الصمغ العربي نحو السفن الأوروبية،

 

تبادل السلع بين الداخل والساحل،

 

وخلق شبكة علاقات خارجية جعلت الإمارة إحدى أعرق البنى السياسية في غرب الصحراء.

 

المناطق المعروفة اليوم بـ تكنت والمذرذرة كانت جزءًا من هذه الحركية الاقتصادية والاجتماعية، موحدة المجال تاريخيًا رغم الاختلافات الحديثة في الأدوار الإدارية.

 

ثانيًا: تأسيس المراكز الإدارية وتطورها

 

1. المذرذرة (1903)

تعتبر المذرذرة من أقدم المراكز الإدارية في ولاية الترارزة، حيث تأسست رسميًا سنة 1903. وقد لعبت دورًا محوريًا كمحور إداري، تعليمي واجتماعي، ومركزًا للنفوذ المحلي بين وجهاء ومشايخ المنطقة.

 

2. تكنت (1968 – 1981)

تأسست تكنت كمستوطنة حديثة سنة 1968، وتحولت لاحقًا إلى مركز إداري رسمي بتاريخ 16 مارس 1981، دون أن تفقد صلتها التاريخية بالمذرذرة، مساهمة في مسار التنمية الحديث ضمن شبكة المراكز الحيوية على طريق الساحل.

 

يشير هذا التسلسل الزمني إلى أن المذرذرة شكلت النواة التاريخية للسلطة والإدارة، في حين انضمت تكنت لاحقًا لتكمل المسار التنموي، مع الحفاظ على الروابط التاريخية والثقافية مع المذرذرة.

 

ثالثًا: المعالم والرموز التاريخية المشتركة

 

1. مشيخة النمجاط

منارة روحية وعلمية أثّرت في عموم الترارزة، وكانت سندًا اجتماعيًا وثقافيًا للمجال بين المذرذرة وتكنت، ومحطة للعلم والإصلاح والوساطة.

 

2. مقبرة ترتلاس

إحدى أقدم المقابر التاريخية في المنطقة، تضم رموزًا علمية واجتماعية مهمة، وتشكل ذاكرة نابضة يقدّرها أهل المذرذرة وتكنت.

 

3. سبخة انتررت (سبخة أهل محمد لحبيب)

علامة جغرافية مركزية في المنطقة، شكّلت محطة عبور للقوافل وموضعًا للرعي الموسمي، ومرجعًا ميدانيًا في الطرق التقليدية، وهي جزء أساسي من ذاكرة السكان.

 

4. معركة لكويشيشي

حدث مفصلي في تاريخ إمارة الترارزة، كان يعكس في البداية روح الفروسية والصمود. إلا أن أهميتها اليوم تتجاوز الجانب العسكري، فهي تستحضر في الذاكرة الجمعية كرمز للتعايش السلمي بعد إدراك أن الحرب مدمرة، وتؤكد على قيمة الوحدة والاجتماع الاجتماعي على أي نزاع مسلح.

 

رابعًا: مكانة الجميع عند أهل المذرذرة

 

يتمتع مجتمع المذرذرة بتقدير شامل لمختلف المكونات التاريخية المحيطة به؛ المشيخات، المعالم الجغرافية، المقابر التاريخية، واللحظات الكبرى مثل معركة لكويشيشي، جميعها تُعتبر عناصر وحدة اجتماعية لا خلاف حول قيمتها.

 

خامسًا: صراع الطموح الإداري بين تكنت والمذرذرة

 

مع قيام الدولة الحديثة، ظهر تمايز إداري بين منطقتين كانتا تاريخيًا مجالًا واحدًا. ورغم هذا التمايز، فإن الصراع ظل في جوهره:

 

تنافسًا تنمويًا إيجابيًا،

 

يسعى لتحسين الخدمات والبنية التحتية،

 

وتكريس دور كل مدينة ضمن الترارزة.

 

ومع تزايد الحضور السياسي في المنطقة خلال العقود الأخيرة، أصبح للسياسة دورٌ ملموس في بروز بعض المطالب الداعية إلى الانفصال الإداري عن المذرذرة؛ إذ يرى بعض الفاعلين في تكنت أن الارتقاء الإداري قد يخلق مناصب انتخابية جديدة، ويوسّع دائرة التمثيل، ويمكّن من معالجة بعض الإشكالات السياسية والتنموية التي تواجههم.

 

ومع ذلك، فإن هذه الطموحات — بمختلف دوافعها — تظل خاضعة قانونيًا لصلاحيات الدولة وحدها، التي تُجري أي تعديل أو استحداث للمراكز وفق معايير المصلحة العامة ومتطلبات التنظيم الإداري الوطني، دون الحاجة لمشاورة أي طرف خارج الأطر الرسمية.

 

إن دراسة تاريخ تكنت والمذرذرة تكشف عن عمق الجذور التاريخية والتفاعلات الاجتماعية والثقافية التي شكلت المجال الترارزي عبر القرون. فالمذرذرة، بالنواة التاريخية التي مثّلتها، وتكنت، بالمسار الإداري الحديث الذي خطته دون أن تفقد صلتها التاريخية بالمذرذرة، يشتركان في ذاكرة جماعية واحدة توازن بين التراث والحداثة.

 

وقد أظهرت معالم المنطقة، من مشيخة النمجاط إلى سبخة انتررت، ومن مقبرة ترتلاس إلى أحداث مثل معركة لكويشيشي، كيف يمكن للتاريخ أن يتحول من صراع إلى مصدر وحدة ومعرفة، يؤكد على أهمية التعايش السلمي والاعتراف المتبادل بين مختلف المكونات المحلية.

 

وفي ظل الدولة الحديثة، يظل الطموح الإداري محكومًا بالقانون، حيث تقتصر السلطة على الجهات الرسمية لاتخاذ القرارات المتعلقة بالتقسيمات والمراكز، بما يضمن تحقيق التنمية العادلة وتعزيز التكامل بين تكنت والمذرذرة، والحفاظ على الروابط التاريخية والاجتماعية التي تجمع بينهما.

 

إن المستقبل، إذًا، مرتبط بفهم الماضي واحترام القانون، ويظل لكل من تكنت والمذرذرة دورهما الحيوي في صياغة وجه الترارزة الحديث، مجتمعًا مترابطًا متماسكًا، ومتطلعًا نحو التنمية والازدهار المشترك.

Moctar Bah Aidelha

شاهد أيضاً

صفحات من تاريخ مقاطعة المذرذرة/بقلم أحمد باب الخراشي

صفحات من تاريخ مقاطعة المذرذرة / أحمد باب الخراشي   تقع منطقة المذرذرة في محيط …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *