عندما يتفوّق عقل المقاومة على الهيمنة التكنولوجية للعدو
أكتوبر 16, 2025
للكاتب: ظاهر صالح
في زمن الحروب المعاصرة، يُقاس التفوّق غالبًا بمدى الهيمنة التكنولوجية والقدرة على الاختراق الاستخباراتي. ومع ذلك، جاءت «وحدة الظل»، إحدى أكثر الوحدات سرية في كتائب القسام، لتقلب هذه المعادلة رأسًا على عقب. لقد تجاوزت أساليب وابتكارات هذه الوحدة حدود التحليل العسكري التقليدي ودخلت بنا حقبةً جديدة من «حرب الأدمغة»، حيث صار الإبداع التكتيكي هو الحكم الفاصل. هذه الوحدة النخبوية، العاملة في قلب الدمار والحصار، لم تثبت تفوّقها فحسب، بل قدّمت دليلاً على تهاوٍ مذهل في جاهزية المنظومات الاستخباراتية الإسرائيلية والداعمة لها عالميًّا، عبر عملية قلَبت مفاهيم الأمن والتقصّي رأسًا على عقب.
عبور جريء وتمويه استخباراتي
في قلب غزّة المحاصرة نُسجت خطة نقل هي الأكثر جرأة وعبقرية؛ لم تكن مجرّد عملية لنقل أسرى، بل عملية استخبارية أشبه بعملٍ مسرحي أبطاله متخفون وراء ستارٍ محبوك. قررت «وحدة الظل القسامية» نقل أسرى حرب الاحتلال الإسرائيلي من شمال القطاع إلى جنوبه، ليس تحت جنح الظلام، بل في وضح النهار، تحت ضوء الشمس، وفي مرمى الإعلام الإسرائيلي وطائرات الاستطلاع وهيمنة التكنولوجيا.
شهادة أسير إسرائيلي
تفصيل شهادة جندي إسرائيلي مُفرَج عنه يضيء حقيقة العملية التي جرت في 25 مارس 2025، ويؤكد أنّ ما بدا مشهدًا عفويًا لم يكن كذلك، بل كان «فخًا استخباراتيًّا» نُصِب بإتقان ومهارة منقطعة النظير.
المظاهرة كستار دخان مثالي
قادت عناصر وحدة الظل الأسرى إلى قلب مظاهرة «مصنّعة» تهتف ضد ما وُصف بـ«حرب الإبادة» وضد حركة حماس نفسها. استقبلت الاستخبارات الإسرائيلية تقارير هذه المظاهرات بارتياح مبالغ فيه، وروّجت لها كدليلٍ على تفكك الجبهة الداخلية، فتحوّلت بذلك إلى «ستار دخاني» مثالي خدم بالضبط مهمة النقل.
الأسرى كقادة متظاهرين
تكمن ذروة الابتكار في تحويل الأسرى إلى قادة للمظاهرات: طلب رجال القسام من بعض الأسرى قيادة السير والهتاف بشعاراتٍ معادية لحركة حماس والمقاومة باللغة العربية، وكانوا محمولين على الأكتاف. بهذا، أصبح الأسرى أنفسهم نقطة عمياء للرصد؛ فمَن كان ليتوقع أن تُخفي كتائب القسام كنزها الاستراتيجي في مقدمةٍ تبدو مُدانة ظاهريًا؟
مسار العبور الصادم
سلكت المظاهرة مسارًا حرجًا يمر من بيت لاهيا شمالًا مرورًا بالنقاط الرئيسة في بيت حانون وغزّة وصولًا إلى خان يونس جنوبًا. تمت المسافة برمتها تحت أنظار مخابرات العدو وطائراته، التي تحوّلت من أداة مراقبة إلى غطاءٍ جوي غير مقصود للعملية. نجحت وحدة الظل في بلوغ خان يونس بسلامٍ تام، في ضربة استخباراتية عبقرية استغلت حالة الترقب الإسرائيلي لتصطاد في مياهها، محوّلة المظاهرات المضادة إلى غطاء مثالي للنقل.
عبقرية «وحدة الظل»
ما قامت به وحدة الظل يمثّل تفوقًا عملياتيًا نادرًا يلخّص محورًا استراتيجيًّا واضحًا، ويُثبت أنها مؤسسة استخباراتية مضادة لا تعتمد على العشوائية:
تحييد التفوق التقني: في بيئة محاصرة ومُراقبة، استغلت الوحدة الضوضاء البشرية لتعطيل الرصد الفني والموجات اللاسلكية. بإدماج الأسرى في بيئة غير متوقعة، نجحت في التحايل على خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تبحث عن الأنماط الثابتة، فتحوّل الفضاء العام إلى غرفة عمليات سرية.
إدارة عملية نقل الأسرى: القدرة على الإبقاء على هذه «الورقة الرابحة» آمنة لشهور، ثمّ نقلها بهذه الدقة، يدلّ على جاهزيةٍ لوجستية وعقائدية تشبه قدرات وحدات النخبة العالمية. هندسة مظاهرة ضخمة ودمج الأسرى فيها وتوجيه رسالة مُضلِلة للعدو يتطلب تخطيطًا عالي المستوى وإدارة عمليات دقيقة.
الفشل الاستخباراتي كواقع هيكلي: فشل أجهزة مثل «الموساد» و«الشاباك»، المدعومة بأحدث التقنيات الغربية، في كشف هذه العملية يعكس تآكل مفهوم «الاختراق العميق». لقد أثبتت كتائب القسام أنّها بنت مناعة معلوماتية صعبة الاختراق، وأنّ تركيز العدوّ على الحلول القتالية أحال دون تفكيرٍ استراتيجي هادئ.
عبقرية خفية في إدارة المعركة
ختامًا، إنّ الإبداع في تحويل مظاهرات مضادة إلى غطاءٍ عملياتي هو شهادة على المرونة الذهنية الاستثنائية لقيادة المقاومة. لم تُخطط هذه القيادة فقط للصمود، بل للنجاح والتفوّق والابتكار. الحنكة في استغلال نقاط ضعف العدوّ النفسية وتوظيفها لخدمة الهدف الاستراتيجي تُثبت أنّ القوة الحقيقية في هذا الصراع لا تكمن في حجم الترسانة العسكرية أو التقدّم التقني فحسب، بل في العقل المُدبّر القادر على تحويل نقاط الضعف إلى فرصٍ عملياتية ونجاحات ميدانية — وهو ما اعترف به الخصم نفسه…
الكاتب ظاهر صالح